أخبار عاجلة

قيمة الأذكار (1- 4)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الأدومان المتلازمان على سيدنا محمد، واسطة عقد النبيين، وسيد أولي العزم من المرسلين، الفاتح لما أغلق، والخاتِم لما سبق، ناصر الحقَ بالحقِ، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم..

فضيلة الشيخ علي الجميل

لا شك أن الإنسان في حياته يتعرض لكثير من المواجهات التي بدورها تزيد من قسوة القلب، وهي نتيجة لتراكم الظلمات على القلب، والظلمات التي تتراكم على القلب ترجع في جملتها إلى أسباب عدة:

فهناك ظلمة بسبب الذنب، وهناك ظلمة بسبب ما أشربه الإنسان من الفتن، وهناك ظلمة بسبب الغفلة على الله، وهناك ظلمة على ما يرد على القلب من الشبهات، داءات كثيرة ترجع إلى هذه الأسباب.

وإن الإنسان لما خلقه الله أخرجه من ظلمات ثلاث، ثم أرسل له الرسل ليخرجه من الظلمات إلى النور.

ثم أنزل الكتبَ I لتحقيق الخروج من الظلمات إلى النور والتي تورثُ قسوةَ القلب، فالحق سبحانه وتعالى يقول في أول سورة إبراهيم: )الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ( (إبراهيم: 1).

فالذكر يذهب ظلمات الغفلة لذلك يقول ابن عطاء الله السكندري: (لا تَتْرُكِ الذِّكْرَ لِعَدَمِ حُضورِكَ مَعَ اللهِ فيهِ؛ لِأَنَّ غَفْلَتَكَ عَنْ وُجودِ ذِكْرهِ أَشَدُّ مِنْ غَفْلتِكَ في وُجودِ ذِكْرِهِ. فَعَسى أَنْ يَرْفَعَكَ مِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجودِ غَفْلةٍ إلى ذِكْرٍ مَعَ وُجودِ يَقَظَةٍ، وَمِنْ ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ يَقَظَةٍ إلى ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ حُضورٍ، وَمِنْ ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ حُضورٍ إلى ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ غَيْبَةٍ عَمّا سِوَى المَذْكورِ، )وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ().

قال ابن عباد: الذكر أقرب الطريق إلى الله تعالى، وهو علم على وجود ولايته كما قيل: “الذكر منشور الولاية” فمن وفق للذكر فقد أعطى المنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل.

وقال الإمام أبو القاسم القشيري 0: “الذكر عنوان الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة صفاء النهاية”، فليس وراء الذكر شىء، وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر، ومنشؤها عن الذكر، وفضائل الذكر أكثر من أن تحصى، ولو لم يرد فيه إلا قول الله تعالى في كتابه العزيز: )فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ( (البقرة: 152) و قوله U فيما يرويه رسول الله J: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) لكان في ذلك اكتفاء وغُنيَة.

من الممكن أن يكون الذكر في بدايته بلا حلاوة وبلا حضور، وذلك لأثر تراكم آثار الغفلة، فإذا انقشعت آثار الغفلة حضر القلب وذقت حلاوة الذكر مع الحضور مع المذكور.

وعن إفراد المذكور I بالذكر يقول الإمام أبو العزائم 0:

ٱذْكُرِ ٱللَّهَ إِنْ نَــسِـــيــــتَ سِـوَاهُ

قُلْ بِقَلْــــبٍ فِي ٱلذِّكْــــــرِ يَٰا اللَّهُ

لَا تُـــعَلِّـــــقْ بِــٱلْقَلْبِ غَيْرَ إِلَـٰهٍ

قَــدْ تَــــجَلَّىٰ لِلْعَـــالَمِــــينَ سَنَاهُ

ذِكْرُ أَهْلِ ٱلصَّفَا شُهُودُ حُـضُورٍ

غَافِــــلُ ٱلْقَـــلْـــبِ شُـــغْـلُهُ آلَاهُ

يَـعْـــبُـــدُ ٱللَّهَ كَـــيْ يَـنَالَ عَطَاءً

أَوْ جِـنَــــانًا وَٱللَّهُ جَـــلَّ عُــــلَاهُ

فَٱعْبُدَنْـــهُ لِــذَاتِــهِ أَفَـــرِدَنْــــــهُ

وَٱلْمُـرَادُ ٱلْمَــحْبُــوبُ قَــدْ وَالَاهُ

لَا تُطِعْ غَافِلًا عَــنِ ٱللَّهِ أَسْــرِعْ

أَفْرِدَنْهُ بِٱلْــقَـــصْـــدِ فَـــهْـوَ ٱللَّهُ

ذَلِكَ ٱلْحَقُّ، يَعْـرِفُ ٱلْحَـــقَّ قَوْمٌ

قَدْ صَفَاهُمْ لَهُ فَنَــــالُوا رِضَـــاهُ

وَسِوَاهُمْ فِي غَفْلَةٍ فِي حَضِيضٍ

لَمْ يَنَالُــوا فِي دَارِ دُنْيَا صَفَــــاهُ

رَبِّ خُذْنَـــا إِلَيْـــكَ بِٱلْحُبِّ جَذْبًا

وَٱمْنَحَنَّــا بِٱلْجَذْبِ مَـــا نَــــهْوَاهُ

وَٱشْرَحَــنْ صَدْرَنَا وَيَسِّرْ أُمُورًا

فَهِّمَنَّا ٱلْقُـــرْآنَ هَــــبْ مَـــعْــنَاهُ

وَصَلَاةً عَلَى ٱلْحَبِيبِ ٱلْمُرَجَّـــىٰ

مَنْ أَتَىٰ بِٱلضِّيَا يُــلِــيــــحُ هُــدَاهُ

ولأن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد، ولن ينجلي الران من أول الذكر بل يحتاج إلى مداومة؛ حتى ينقشع الران من القلب، فمع كل ذكر تنقشع ظلمة، وهكذا حتى ينجلي الران الذي خيم بالغفلة على القلب.

وحتى يهيمن سلطان الذكر على القلب حتى وأنت نائم تكون نائمًا وقلبك يذكر، فإذا أشرق القلب بنور ربه لا ينام.

روى أن أبا سَلَمةَ بن عبدِ الرَّحمنِ التابعي سَأَلَ أمَّ المؤمنينَ عائِشةَ 1: كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ J في رَمَضَانَ؟ فَقالَتْ: ما كانَ رَسولُ اللَّهِ J يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقالَ: (يا عَائِشَةُ، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولَا يَنَامُ قَلْبِي) “صحيح البخاري”.

وإن الذي يكرم بهذا من المخلصين فقد نال شيئًا من الوراثة المحمدية بيقظة القلب الدائمة.

وهذا معنى قول الله U: )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(. أي يذكرون الله على جنوبهم حال نومهم. نسأل الله أن يجعلنا منهم.

فأنت من شدة حضور القلب حال اليقظة تكون ذاكرًا حال النوم.

فهذه الظلمات تورث قسوة القلب بسبب تلك الظلمات (ظلمة الغفلة)، ولا يبددها سوى الذكر.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …